السبت، 31 ديسمبر 2011

علي و عائشة .. وهمْسٌ بالأذن




رغم أني انهزمتُ برأيي قبالة آراء سيداتي الصغيرات وأنا أُفتي أن الرواية لا تصنع ثقافة أبداً وبالأخص إن كانت من صنف روايات "كُتب لما فوق 18 بقلم من تحته" و أذعنت مُسلِّماً أمام قوة الحجة التي أتين بها إلا أني قررت ألا أدفع في رواية ريالاً إلا إن فقد حظه معي وما عاد له من حبي نصيب ..

وما كدت أنصرف عن دار النشر الثالثة إلا وأنا أعيد النظر في صوابية رأيي ، فأن تجول في معرض الرياض الدولي للكتاب يعني أنك تشتري واحداً من أربعة .. أو توفر المال لتستلذ ببعض العصير في طريق العودة إلى البيت، وبما أني لست من هواة كتب الطبخ ، ولا تعنيني كتب التداوي بالأعشاب والحجارة والغبار ، ولا تسترعي اهتمامي الكتب التي تصدر عن مراكز الدراسات العربية " نعم .. صدقوا لدينا مراكز دراسات" ، وكذلك كُنت أنعم بإحساس الموظف الذي للتو أستلم الراتب و لم يكن أمر العصير عصياً ، فقد قررت أن المآل للرواية هنا وإن كانت عاراً على الأدب الذي يكتبه باولو كويلو و ديستوفسكي و سليم بركات.

كان تصفحي لأوراق كتاب عرضته دار نشر لبنانية عن حزب الله .. وملامح أخرى مدعاة لذلك البائع اللبناني ليقترب مني هامساً .. "عندي كتاب جديد لعليا الأنصاري .. اسمو علي وعائشة ، بتحب تشوفو؟" ، فهم من ابتسامتي أني "بحب شوفو" فأتي به وكبّه على الوجه كأنه تهمة !! اشتريته منه بعد أن تصفحت بعضاً منه لا غراماً بالعنوان أو مؤلفات صاحبته ، بل تعاطفاً مع كل ما يحتمل الإختباء ولا يظهر إلا بالتسويق "همساً".

"علي وعائشة .. سيمفونية الحب على أرض السواد" للدكتورة علياء الأنصاري الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في العراق صادر عن دار الهادي في بيروت ، رواية من نوع تلك التي تُكتب بلغة الأسى واللوعة وتعرض لمعاناة العراق متمثلة في مأساة عائلتي علي الشيعي وعائشة السنية ..

حياة الحب في حقول الموت التي بذرها ورعاها زارعوا الموت المتنقل في العراق ليحصدها الوطن العاشق ويحصدها علي بموت والده ثم عائشة بموت والدها ثم مهند ابن خالة علي وصاحبه والشاهد "قبل موته" على بتر قدمي علي في انفجار عرضي ( وياللعراق حين صار الموت عرضياً!! )، كان ذلك همَّ الكاتبة مردوفاً بخيوط درامية أخرى مدارها ذات الحلبه .. الحب بين أهل العراق بكل تناقضاتهم المذهبية والإجتماعية والفكرية .

لئن كان أكثر ما في الرواية إثارة هو توظيف الكاتبة لأكثر الأسماء جدلاً بين الطائفتين "علي " و " عائشة " فإنه يُحسب للكاتبة نقلها لحياة عائلتين عراقيتين جمعها همُّ الحياة وصحبة الأهل وحب الأبناء .. كان جميلاً وفاء أبو خديجة " والد عائشة " لعائلة صديقه المغدور أبو علي ، كان جميلاً صدق الكاتبة وهي تعرض التناقض والفوضى التي اجتاحت كيان علي تجاه محبوبته التي تنتمي لمن قتلوا والده فتُقابله هذه بالوفاء والصبر ..

تسلسل الأحداث بكل ما فيه من فوضى يعيشها العراق في كل مفاصل حياته فضلاً عن روايات الحب التي يعيشها أهله ويكتبها مؤلفوه كان طاغياً على الرواية وأفقدها الحس الأدبي وجمال الكلمة وسحر الفكرة.

كانت رواية فكرتها تصلح لأن تكون حاضرة في كل مسار من مسارات الأدب ، فهي صالحة كموضوع خطابة وصالحة كقصيدة شعر وكمسرحية و ملحمة مضمخة بالدم .. وحتى دمعة في عين طفلة. هي قضية أكثر منها رواية ، ومحنةٌ أكثرَ دراميةً مما عرضته الكاتبة .. لكن عذر الكاتبة الذي يبيحها ارتكاب هذه الرواية أن كل ما قد يُكتب لن يصف الحزن الذي تعيشه أمٌ فقدت للتو ولدها وراحت تربي آخر والموت ينتظر نصيبه منه قبل نصيبه منها.

علي المرهون

1/4/2008م