الجمعة، 15 يوليو 2011

الصورةُ لغةً!

فاتَ على "والت ديزني" مؤسس الشركة التي تحمل اسمه وصاحبة المنتزه الشهير ديزني لاند، و مُخترع الشخصيات المتحركةِ الأكثرَ شُهرةً في العالم "ميكي ماوس" و "دونالد داك"، أن يُقيِّد مقالتَهُ "من بين كل اختراعات وسائل الاتصال، لا تزال الصورة هي اللغة الأكثر فهماً في العالم" بقَيدٍ يحفظُ لها نجاعتها أبداً، على قاعدةِ (أنا الرجلُ الأقوى في العالم .. إلاَّ أن يُصارعني أحد!!)، فاختيارُه للصورة لتكون اللغةَ الأكثر فهماً يُواجه امتحان بقاءٍ ومصداقية هذه الأيام، فهي باتت لغة قلّما تجد من يُمارِسُها بطلاقةٍ مُفترِضاً أن الطرف الآخر لن يفهم أموراً سوى تلك التي عناها صاحب الصورة!

لا يُمارِسُ صاحبي هذه الأيام أيّاً مما حكاهُ عن قواعد التَّحكم في ما يُعرف بـ”الاستهلاك بدوافع نفسية” Emotional Spending، فهو يشتري ويشتري ثم يسأل نفسه: ما كان السبب لأشتري هذا؟
مما وقعت عليه تلك "اللعنة" كاميرا الكانون D40 وبعضٌ من الأدوات المساعدة. صِرتُ مضطراً لتَقمُّص دور المُعجب بأعماله كل حين، فتارةً تفتقت مُخيلَتُه العبقرية عن صورة لسيارته الـ"قرمبع"، وأخرى أودع عُصارةَ خبرته في لقطة لعصفورٍ تحسَبُهُ ميتاً لشدة ما أصابهُ من وهنٍ.

كُنتُ في كل مرة أُبدي الحماسة والتشجيع وأحرص على تبديل كلمات الإعجاب حتى لا تكون مُستهلكة.
مَلأَت رِئَتهُ وعقلَه كلماتُ الإعجاب التي أختلِقُها فأتاني شاطحاً مُفرِط الثقة بالنفس ليُمارِسَ النقد الفني .. كلهم يُمارسون النقد الفني منذ الأسبوع الأول لاقتناء الكاميرا!!

كان يَسخرُ من " لا احترافية ذاك الشخص أو الشيء أو الجهاز" الذي يختارُ الصور المُرفقة في الأخبار الصحفية، حكى عن خبرٍ بذاته، خاتماً بأنهم لا يفهمون مُضيفاً "وش أسوي أنا بصورة وكيل الوزارة في خبر عن مروءة وشجاعة حارس المستشفى، الذي أنقذ المرضى من حريقٍ كاد يُحيلُ المجمع الطبي أثراً بعد عين؟!".
ثم أضافَ "ما ذنبُ الحارس المسكين، ليُحرَمَ من مكافأة مشاهدة صورته في الجريدة و الافتخار بها أمام أطفاله الصغار ، كانوا سيُحبون صورة والدهم البطل ويحكون عنها كثيراً لأقرانهم، كل ذلك لأن القائم على الأمر في الجريدة (غبي) ولا يُحسِنُ خلق التلازم بين نصوص الأخبار ومعانيها والصور المرفقة بها!"

كان استنتاجُهُ إسفيناً في نعشِ مقالة الأخ "راعي الألعاب " فلا الصورة كانت اللغة الأكثر فهماً في العالم من بين وسائل الاتصال الأخرى ، ولا هم يحزنون!

ولأبرهن على هذا أقول:
حارسُ مستشفى راتبهُ الشهري في الغالب لا يتجاوز الـ1500 ريال، مؤهلهُ العلمي في أحسن الأحوال شهادة المرحلة المتوسطة، إن كان سعودياً "أصلياً" فهو لن يكون من أبناء "القبايل" بل "حضري" وإن كان، فمن قبائل الجنوب (بالسعودي 07)، لا يهتم أحدٌ من المرضى والأطباء والممرضين "والممرضات" باسمه ولا رسمه ولا حتى من يكون، يقف كخشبةٍ مسندة من السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً "هذا بافتراض أنه يعمل في وردية النهار، وإلا فالحكاية أخرى"، يختار من السيارات التي تقطع البوابة الرئيسية للمجمع الطبي أغلاها سعراً "بافتراض أنه يعرف أسعار هكذا سيارات!" ليُمارس لباقته و الإتيكيت الذي لم يتعلمه، و يعدِلُ هندامه ويُلوِّحَ بيدهِ "الكريمة" فاغراً فمَهُ عن أسنانٍ أشدَ بياضاً من اللؤلؤ، وإن كانت السيارة من فئة أخرى، فكلماتُ الاستفسار الأكثر غباءً في الدنيا "وش عندك؟" و "وين رايح؟" هي أفضلُ السيناريوهات التي قد يُمارسها.

من جهةٍ أخرى، وكيلُ وزارةٍ "بالمناسبة هي ليست وزارة الصحة، بل وزارة المهجرين والبلديات!" هو ممن "عركتهم" التجربة و صقلتهم الخبرة فصارت رواتبهم بمئات الآلاف " كم جميل هذا التلازم"، أما مؤهلهُ العلمي فليس مهماً ،فالخبرةُ تكفي "و توفّي"، هو غالباً بدوي النسبُ "والحسب" والشكل والمنطق، تجدهُ أول الحضور في ولائم العشاء التي تُقام على شرف "مين يا ربي مين ... أي أحد" واحتفالاتها و المؤتمرات العلمية التي تُقيمُها، نجمٌ للصفحات الأولى في الجرائد والمجلات "سيدتي و ما شابه"، رجلٌ معطاء .. ألا يكفي كل ما قُلتُه بُرهاناً على أنه "معطاء"!

ثم بعد كل هذا، يسأل "الأخ أبو كاميرا جديدة وش يسوي بصورة وكيل الوزارة، مُغفِلاً أنها مُلهمة للأجيال!" مُنتقداً آلية اختيار الصور وإرفاقها بالأخبار في صحافتنا.

وأقول له مُفنداً ، هنا يا عزيزي الآلية:
من وافق على تعيين المسئول في الوزارة الذي وافق على تعيين مدير المستشفى الذي وافق على تعيين مسئول المستشفى الذي وافق على عطاء "مناقصة" شركة الأمن والحراسة التي راح صاحبُك "الحافي" ليبحث فيها عن وظيفة بـ 1500 ريال "هالشحات"، وكان حظّه كحظ الذي عثر على كنزٍ في الربع الخالي لكنه لم يكن غبياً بالحد الذي يختبر به دقة كاميرا جواله في لحظات كهذه ثم ينشر الصور التي ألتقطها في الانترنت ثم تأتي "الوطن" و "تسوي شوية أكشن" بسؤالها "من يعرف هذا الرجل؟" تأثُراً بأيقونة WANTED التي نتابعها في أفلام الكاوبوي ، فحصل على الوظيفة التي يحلم بها كل الشباب في مقتبل العمر(!) ؟

الجواب"يللي ما تخاف الله": إنه وكيل الوزارة!
بربك، حينها ألا يعني نشرُ خبرٍ مفادُهُ أن (حارس مستشفى كبير، ينقذ مرضاه " لا يهم مرضى المجمع أم مرضى الحارس .. المهم مرضى و الله يعافيهم" من حريقٍ كاد يُحيلُه أثراً بعد عين) ألا يعني أن عطاء وكيل وزارتنا ملأ الخافقين ونجاحاتهُ وإخلاصه وتفانيه مما يُحكى جيلاً بعد جيل، ويصلح ليكون عِبَراً وأساطيرَ تُحكى بعد مئات السنين، فيكون بذلك مؤدى الخبر الصحفي، و مُراد مُحَرِّره أن الوكيل هو الأحق أن يُحتَفى به ويُكافأ ويُجازى على جليل خدماته و جزيلها؟!

بافتراض أنك تتقي الله وتخافُ نِقمَته، ستُسلّمُ بكُلِّ ما "ورد أعلاه"، وإذ ذاك فالحقيقة أن "الشخص أو الشيء أو الجهاز" الذي اختار الصورة المرفقة بالخبر، كان مُحِقّاً في اختيارِهِ، ناجعاً في الربط بين الخبر والصورة بشكلٍ يصل بالمعنى المراد عبر الطريق السريع للفهم " ودرأً للفتنة، طريق سريع لا يشبه طريق الدمام – الجبيل السريع، في شيء إلا اسمه"، فالحكاية حكاية "إنجازٍ وطني" وبالتأكيد ليس على شاكلة ( أعلن أبناء فلان أن أبوهم فلان فاز بالجائزة التي خصصها أبناء فلان "نفسه الأولاني" لرجل الأعمال الخيرية هذه السنة)! والدليل أن وكيل الوزارة "مو نسيب" كاتب الخبر "ولا يعرفه أصلاً"، إنجازٌ تحكم ذرات الإنصاف التي تتطاير في الكون كلها أنه الأحق به فهو من اختار "سلسلة الناس" التي أتت بحارس المستشفى الذي يُحكى عن مروءتِهِ وشجاعته حكايا ، "إن كانت صادقةً" ، فهي لا تُلزمنا بشيء!!


علي المرهون
14/4/2010م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق